ذلّل الاردن والعراق، مصاعب جمّة فاطلقا مرحلة جديدة عنوانها الاقتصاد درب للبناء والتنمية، في استجابة لمطلب الشعبين الشقيقين، والحاجة الملحة لمشروع نهضة وتكامل يلبي شروط الجوار التاريخي.
رحلات مكوكية لرسميي البلدين، سعت لاطلاق مرحلة نوعية من التعاون المشترك وادخال ما تم توقيعه من اتفاقيات مشتركة في العديد من القطاعات الحيوية الى حيز التنفيذ .
ولم تكن زيارة الملك عبدالله الثاني الى العاصمة بغداد منتصف الشهر الماضي، "صدفة" او "مجاملة" انما جاءت لتسرع "النهر" الذي بدأ يتدفق مجددا بين البلدين، تأسيسا لشراكة استراتيجية اقتصادية عميقة يمكن ان تكون انموذجا لرحلة التكامل الاقتصادي العربي الذي ما زال حلما يراود الشعوب.
في كل الزيارات المتبادلة بين الطرفين التي اخذت زخما قويا خلال الاشهر القليلة الماضية، كان الاردن يؤكد وقوفه "قيادة وحكومةً وشعباً"، إلى جانب العراق ودعم جهوده في الحفاظ على امنه ودعم استقراره، والسعي الجادّ لتمتين العلاقات وتوطيدها بمختلف المجالات وبخاصة الاقتصادية بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وقضايا الامة.
ويرتبط الاردن والعراق بمعبر طريبيل من الجانب العراقي والكرامة من الجانب الاردني وهو المعبر البري الوحيد بين الجانبين على الحدود الممتدة لمسافة 180 كيلومترا، حيث ستقام المنطقة الصناعية المشتركة على الحدود بين البلدين عند معبر طريبيل.
وانخفضت صادرات الاردن الى العراق منذ اغلاق معبر الكرامة - طريبيل عام 2014 من ما يقارب 5ر1 مليار دولار الى 469 مليون دولار مع نهاية شهر ايلول من العام الماضي 2018.
ويرى رئيس الوزراء الاردني الدكتور عمر الرزاز "ان ما تم انجازه بين بلاده والعراق من اتفاقيات سيلمسه المواطنون في البلدين الشقيقين، وان هذه المكاسب الملموسة تشكل بداية صحيحة سينتج عنها المزيد من التعاون وفرص العمل والابتكار والابداع بين القطاع الخاص في البلدين".
فيما يرأى رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي،"ان البلدين يشكلان رئتين لبعضهما البعض، ويأملان لتطوير الصناعة والتكنولوجيا والتبادلات التجارية والاستفادة من الطاقات المتوفرة والتكامل في اقتصاد الجانبين".
وفي لحظات فارقة، بدأ العمل بآلية النقل Door to Door للسلع والبضائع والمنتجات النفطية التي تسمح بدخول شاحنات البلدين بالاتجاهين كبديل عن الآلية السابقة التي فرضتها الاوضاع الامنية في العراق خلال السنوات الماضية، والتي كان يتم بموجبها تفريغ حمولة الشاحنات على الحدود ونقلها بشاحنات الدولة الاخرى الامر الذي كان يعرض مواد عديدة للتلف فضلا عن كلف اضافية يتحملها التاجر المصدر .
ويمكن لزائر المنطقة الحدودية بين البلدين ان يشاهد الشاحنات الاردنية المحملة بالسلع والبضائع التي بدأت بالعبور الى الاراضي العراقية باتجاه مقاصدها النهائية الى العاصمة بغداد والمدن العراقية الاخرى، والشاحنات العراقية باتجاه المدن الاردنية.
وقررت الحكومة الاردنية إعفاء البضائع العراقية المستوردة عن طريق ميناء العقبة/جنوب المملكة/ من 75 في المائة من الرسوم التي تتقاضاها سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، بحيث يصبح المبلغ الذي يدفعه المستورد العراقي هو 25 في المائة من رسوم المناولة.
وتوافق الاردن والعراق على توقيع اتفاق تجاري ما بين الملكية الأردنيّة والخطوط الجويّة العراقيّة في مجال الرمز المشترك لتمكين المسافرين على خطوط الطيران العراقي من الوصول إلى وجهات عالمية مختلفة، وكذلك التدريب والتعاون في مجالات الطيران والنقل الجوي وتبادل الخبرات في مجال الأرصاد الجوية والموانئ. وتوافق البلدان ايضا على قيام الاردن بتزويد العراق بالكهرباء من خلال الربط الكهربائي وستتم المباشرة قريبا بالدراسات الفنية وتأمين التمويل اللازم ليبدأ تنفيذ المشروع خلال ثلاثة اشهر، ومن المتوقع أن يبدأ الاردن بتصدير الكهرباء الى العراق خلال أقل من عامين.
كما تم التوافق على أن يتّم البدء بالدراسات اللازمة لإنشاء أنبوب النفط، بحيث يمتّد أنبوب النفط العراقي من البصرة مرورا بمنطقة حديثة ومن ثم إلى ميناء العقبة، وذلك لتمكين العراق من تنوع منافذ تصدير النفط لديه.
وكان الأردن والعراق قد وقعا، عام 2013، اتفاق إطار لمشروع أنبوب بطول 1700 كيلومتر لنقل النفط، بكلفة بنحو 18 مليار دولار، وسعة مليون برميل يوميا، وسينقل النفط الخام من البصرة الى ميناء العقبة.
ويأمل العراق، أن يؤدي مد الأنبوب إلى زيادة صادراته النفطية وتنويع منافذه، فيما يأمل الاردن ان يؤمن الأنبوب احتياجات المملكة من النفط الخام والحصول على كميات اخرى من الغاز الطبيعي يوميا.
كما تم التوافق على قيام العراق بتزويد الاردن بنحو 10 آلاف برميل يوميا من نفط كركوك آخذين بعين الاعتبار كلف النقل واختلاف المواصفات باحتساب سعر النفط، ما سيفتح باب تصدير النفط العراقي الى الاردن ويسهم بزيادة حركة النقل والشاحنات لدى الجانبين.
وتوافق البلدان على تفعيل قرار مجلس الوزراء العراقيّ المتخذ عام 2017 القاضي بإعفاء قائمة السلع الأردنية من الرسوم الجمركية، وذلك بعد مفاوضات استهدفت تحديد قائمة السلع التي لا تسبب ضرراً بالصناعة والزراعة المحلية العراقية، كون السلع المعفاة لا تُنْتَج في العراق أو أنّ إنتاجَها لا يغطي حاجة السوق العراقيّ.
واتخذ البلدان العديد من الإجراءات لغرض انشاء المنطقة الصناعية الأردنية -العراقية المشتركة والتي تشكّل فرصة لاستفادة المنتجات والصناعات العراقية من إعفاءات ومزايا اتفاقيات التجارة الحرّة التي وقعها الاردن مع العديد من التكتلات الاقتصادية العالمية يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة بقدرة شرائية كبيرة دون أيّ قيود فنية أو جمركية، ولتشكل فرصة لبناء تكاملٍ صناعي أردني – عراقي مشترك.
واعرب ممثلون لفعاليات اقتصادية اردنية عن ارتياحهم الكبير لما تم انجازه من اتفاقيات اقتصادية مع الجار الشرقي للمملكة، مؤكدين أن ذلك سينعكس إيجاباً على الصناعة الوطنية والعديد من القطاعات التجارية والخدمية.
وقال رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، ان الاتفاقيات التي وقعها الاردن مع العراق ستفتح ابوابا جديدة للتعاون بين البلدين بمختلف المجالات وبخاصة التجارية حيث ان الاردن يعتبر مركزا مهما لاعادة التصدير وتجارة المناطق الحرة والترانزيت وبلد آمن ومستقر للاستثمار وتنمية الاعمال.
وقال ان العراق يمثل الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الوطني ويعتبر الشريك التجاري الاهم للمملكة، معبرا عن امله بان تشهد الايام المقبلة ترجمة ثمرات ونتائج ما تم الاتفاق عليه على ارض الواقع.
وذكر الحاج توفيق ان عدد الشركاء العراقيين المسجلين لدى غرفة تجارة عمان التي تستحوذ على 85 في المائة من النشاط الاقتصادي بالمملكة، يبلغ 1838 شريكا بمختلف القطاعات التجارية وبرؤوس اموال تصل الى 263 مليون دولار.
بدوره، يؤكد رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان فتحي الجغبير ان العراق شريك اقتصادي أول للأردن، نظرا لوجود مشروعات مشتركة كبيرة بين الجانبين كالمنطقة الصناعية المشتركة وخط أنبوب النفط.
وقال الجغبير ان العراق، سوق استراتيجي حيويّ للأردن، لاسيما بعد الإعلان عن قائمة السلع والمنتجات الاردنيّة المعفية من الرسوم الجمركية العراقية والبالغة 344 سلعة ، مشددا على ان الصناعيين الاردنيين يعتبرون استئناف الحركة التصديرية الى العراق فرصة تاريخية وحيوية ستنعكس إيجابا على السوقين الأردنية والعراقية.
وأضاف الجغبير ان العراق سوق رئيسية بالنسبة للصادرات الأردنية، وأن الانقطاع الذي سببته الاضطرابات الأمنية في العراق خلال السنوات الأخيرة أدى الى محدودية الصادرات الأردنية المتجهة نحو السوق العراقية ما تسبب بإغلاق مصانع أردنية.
ووصل حجم الاستثمارات العراقية القائمة بالمدن الصناعية الاردنية ما يقارب 120 مليون دولار من خلال 48 مشروعا وفرت 1500 فرصة عمل، تتوزع على قطاعات الصناعات الغذائية والهندسية والبلاستيكية والكيماوية والنسيجية والطباعة والورق والتعبئة والتغليف والخدمات.
وتصدر العراقيون قائمة الجنسيات الاجنبية الاكثر استثمارا بسوق العقارات الأردنية خلال العام الماضي 2018 بمجموع 843 عقاراً، و بحجم استثمار بلغ نحو 158 مليون دولار وبنسبة 39 في المائة من القيمة التقديرية لبيوعات غير الاردنيين. (بترا)
13-شباط-2019 04:52 ص